العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الصحة (مديرية ملحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان)
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 فى إش ليبه دِش" .. بيئة اليمن تحكى قصصها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 13/08/2008
العمر : 39
الموقع : https://sahe.ahlamontada.net

فى إش ليبه دِش" .. بيئة اليمن تحكى قصصها Empty
مُساهمةموضوع: فى إش ليبه دِش" .. بيئة اليمن تحكى قصصها   فى إش ليبه دِش" .. بيئة اليمن تحكى قصصها Icon_minitimeالأحد أغسطس 17, 2008 4:52 am

للبيئات الشرقية غرائبياتها الخاصة المتوارثة منذ أول نشأتها، وهذه الغرائبيات هى نتاج طبيعى لحالة التقوقع والثبات على أنمطة ثقافية محددة وعدم السماح للحضارة المعاصرة باقتحام بدائية المجتمع وتخليصه من محنة المكوث عند محطات الزمن الأولى.

وإذا كانت عوالم تلك البيئات تمثل حقائق مؤلمة تحثّ دعاة التطور والتنوير من المفكرين والسياسيين على الإصرار على تحطيم ركائزها بغية خلق عوالم بديلة تنتمى الى الزمن الحالى فإنها من جانب آخر تمثل كنزا انثربولوجيا وميثولوجيا بالنسبة إلى محترفى الأدب يستلون منه تحفا أدبية نادرة لا تحتاج إلى إرهاق الخيال وإجهاد العقل بقدر ما تحتاج إلى اللغة الثرية التى تصل الى مستوى إبهار حكاياتها من أجل أن تكتسب وهجا له قدرة التأثير فى العواطف والعقول.

ويبدو أن القاص زيد الشهيد أدرك هذه الحقيقة فى مجموعته الجديدة "اش ليبه دش" فهرع إلى ذخيرته اللغوية مستعينا بها واستنجد بإحساسه الشعرى ليصوغ بواسطتهما ثلاثة نصوص متميزة من بين نصوص المجموعة السبع بعد ان وجد حكايات قرية "ذيبين" اليمنية جاهزة أمامه بكل غرائبية أحداثها وسلوك شخصياتها وطرق تفكيرهم المختلفة عن الآخرين.

وربما تكون قصة "ابو طير" التى هى أول قصص هذه المجموعة، نموذجا يمكن الاستشهاد به على تلك الحقيقة. فثمة قرية من قرى هذا الزمان بكل حداثته الفكرية والتكنولوجية، لا تختلف بمكوناتها البشرية عن سواها من القرى، لكنها بعيدة الانتماء إليه بسبب منظومتها الثقافية القديمة حيث المعتقدات شبه البدائية وطرق التفكير التى تقع تأثير الفطرة الانسانية البسيطة غير المحتكمة الى العقل.

هذه القرية تعيش هاجس التوجّس والخوف من الغرباء القادمين إليها من أمكنة أخرى وسبب ذلك هو ان شخصا غريبا ذا ملامح لا تشابه ملامح السكان الأصليين دخل الى القرية بوجه إنسانى ويد مدرارة وسلوك يوحى بالتقوى والورع واستطاع من خلال خصاله هذه ان يكسب ود الناس هناك وينشط أخيلتهم لتوليد أحلام جميلة، لكنه ما لبث أن باغتهم بطلب ليس لديهم قدرة سايكولوجية ولاعقائدية حتى على سماعه حين أراد منهم أن يهدموا مرقدا مقدسا لأحد الرجال الاتقياء وهو الشيخ احمد ابو طير.

لقد مثل هذا الغريب فى أحد أوجه التأويل قُوى التغيير التى أرادت تخليص مجتمع تلك البيئة من ثوابت عقائدية متخلفة توارثها الأبناء عن الأسلاف، وقد استجاب البعض لذلك إلا أن البعض الآخر انتفض ضده وقاوم طلبه هذا بشدة متعللا بتقديس إرث أجداده والتمسك به.

إن الغرائبية التى تتخلل هذه القصة تتمثل فى حالة الطير الذى استفز بصوته رجلا غريبا آخر دخل عالم هذه القرية وهو المدرس زكى العراقي، فقد طفق هذا الوافد الجديد يبحث عن كنه صاحب الصوت الملتبس عليه بين عصفور أو فاختة أو عندليب، ليجده فيما بعد طيرا مغزلى الجسم بحجم النورس يعلو منارة الجامع المنتصبة منذ عدة قرون فى القرية.

إن هذا الطير بالتحديد لم تكن له دلالة دينية لها علاقة بمعتقد معين دأب أهل القرية على التعلق به، وإنما امتلك دلالة رمزية ذات بعد ميتافيزيقى تحيل الى فكرة الحلول القديمة ،ذلك لان هذا الطائر هو فى الأصل - حسب معتقدات السكان- روح الرجل الورع "الغريب أيضا" التى حلت على المنارة فى اللحظة التى رفعوا بها جثته بعد ان قتل غدرا مع العلم انه هو من بنى قبل تسعة قرون الجامع الوحيد فى القرية.

لقد اكتسب صوت هذا الطير مع مرور الزمن أهمية واقعية بالنسبة للسكان وان بدت خرافية غيبية لدى الآخرين، فقد أصبح بمثابة جرس الإنذار الذى ينبه أهل القرية بضرورة التحسب من كل غريب قادم ذلك لان قدوم هذا الغريب قد يحمل نذر الشر كما حملها ذلك الرجل الأحمر.

ان هذه المهمة للطير هى الثيمة الأساسية التى ارتكزت عليها القصة ومن خلالها نستطيع تلمس مفارقة ذكية صنعها القاص بحذق، فالمدرس زكى الذى سردت عليه القصة كان هو الآخر غريبا عن المكان، مجهول النوايا والأفكار، ولذلك فإن التوجس منه سيكون مشروع لدى الناس مما قد يسبب له شخصيا حالة من القلق وعدم الاطمئنان على وجوده هناك.وهذا ما يفسر للمتلقى سبب استيقاظه على نداء الطير فى اول صباح له فى القرية وبدء رحلة البحث عن مكانه.

أما قصة تضرعات واعدة فهى نموذج آخر يمتلك غرائبيته أيضا، فاليباب الذى ضرب الأرض جراء انقطاع المطر عنها لأعوام عدة جعل أهل القرية يعيشون تحت رحمة الأقدار والصدف وقد اقتنعوا بأن عقابا سماويا قد حل بهم نتيجة ابتعادهم عن أداء الواجبات الدينية واقترابهم من بهرجة الحياة الدنيا، وهو اعتقاد راسخ لدى معظم البشر حين تجتاحهم محن لا يجدون سببا وجوديا يعزونها إليه، وسوى الدعاء والتضرع الشفهى لم يكن ثمة فعل آخر يقدم عليه أحد من أهالى القرية لكى يستجلب لهم بواسطته المطر.

لكن العجوز "حورية" المشارفة على الرحيل الأبدى تجنح نحو فعل آخر تخرج به من إطار الكلام والتمنيات إلى إطار الفعل عندما تصعد هى ومجموعة من الصبية إلى أعلى الجبل لكى تقدم لـ"الحنش" طعاما خاصا داخل حفرته بعد ان لم يجد نفعا لحم الثور الذى نصح بذبحه شيخ الجامع كنذر للسماء.

ان فكرة الشفيع تبرز هنا كمعتقد ثابت عند الكثير من المجتمعات على اختلاف تصنيفاتها الحضارية وتعدد دياناتها، فالحنش وفق قناعة العجوز حورية هو الوسيط الذى يخاطب الغيوم ويرققها من اجل ان تزخ سيولها على الأرض الجدبة، وهو كائن له وجوده المادى وله مكانه المحدد كما تعتقد وليس مجرد فكرة غيبية لا تلمس ولا ترى، وقد جاء ذلك الفعل بثماره لاحقا حين هطلت الأمطار بغزارة واستفادت منها كل الكائنات عدا حورية التى ماتت فى ليلة الهطول.

إن هذا الفعل يحيلنا إلى مادية الإنسان وتشبثه بما هو مرئى وملموس واتخاذه كواسطة بينه وبين السماء رغم قناعاته الميتافيزيقية وإيمانه بوجود الخالق وهى حالة لها جذورها البدائية التى رافقت الإنسان منذ تشكل وعيه.

وتأتى ثالث أفضل قصص المجموعة "اش ليبه دش"، وهى قصة قد لا تحمل الغرائبية ذاتها التى تميزت بها القصتان السابقتان الا أنها بدت غريبة عن ظروف العصر الحالى حيث ان العلاقات الثنائية بين الفتاة والفتى غدت اقل تأثيراً على النفس فى حالة فشلها بسبب الانفتاح الاجتماعى الذى يوفر للمخذول بديلا اخر عن الحبيب يخفف عنه وطأة الصدمة.

لقد احب الطالب "جبران" الممرضة "لورا"، وحبه هذا هدية وجودية لا يمكن أن يحصل عليها أى فتى آخر إلا فى أحلامه، إذ أن لورا فتاة ألمانية كانت تمر فى حياة قرية "ذيبين" مرورا طارئا سوف ينتهى فى كل الأحوال وترحل إلى عالمها الذى يتضاد بالكامل مع عالم هذه القرية، وجبران شاب قروى يعيش فى مكان بدائى منعزل عن العالم ،ولم يخطر بباله فى يوم ما انه سينال قلب تلك الممرضة، لكن للحب قوانينه الخاصة التى لا يمكن أن يحددها سوى القلب العاشق نفسه، وقد وضع قلب لورا وقلب جبران قانونا يؤكد على طبيعية تلك الحالة ، حالة عشق الفتاة الغربية لشاب شرقى يعيش فى قرية لم تدخلها الحضارة. فالتحم الاثنان بعلاقة عاطفية تشبه الحلم استغرق أياما عدة ثم انتهى عهده بورقة وداع كتب عليها بالألمانية ich liebi dish ومعناها بالعربية "أنا احبك " قادت الشاب فيما بعد الى حافة الجنون.

لقد أخذتنا هذه القصة إلى عوالم جميل بثينة وكثير عزة ومجنون ليلى، عوالم العشق العذرى الذى يقود الى الجنون والتشرد عند فقدان الحبيبة، خصوصا وان ما فى تلك البيئة من ملامح مكانية وأنظمة علاقات اجتماعية يتشابه مع تلك العوالم التى دارت بها القصص السالفة.

لقد طغت اللغة الإنسانية الرقيقة على قصص هذه المجموعة، وخصوصا فى القصص الأخرى التى حملت طابع الحب مثل قصتى عبير الأحلام ومساء الاحتراقات، والقصص التى تناولت بعض الشخصيات التى اتسمت بكونها ضحية لتقاليد المجتمع كفاطمة فى قصة احتراقات صامتة او ضحية لعواطفها النبيلة كسرحان فى قصة تحت غيمة النسيان، وشفت تلك اللغة وتخلصت بعض الشيء من التكلف الذى لازم بعض قصص زيد الشهيد فى مجاميع سابقة، وربما يعود هذا الى تأثير الغربة فى وجدان القاص حيث تتشرب اللغة عادة فى حالات كهذه بالعاطفة الجياشة التى تتدفق من الأعماق لتؤدى وظيفة نفسية تخلق حالة من الاستقرار العاطفى للشخص الذى يفتقده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sahe.ahlamontada.net
 
فى إش ليبه دِش" .. بيئة اليمن تحكى قصصها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلوي :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: